ما زلت أتذكّره وهو مذيع مغمور يُقدّم برنامج الأطفال الخاص به في الفضائية المصرية الثانية، منتزعاً ضحكات الجميع كبارهم بصغارهم، كهولهم بشبابهم من خلال حضوره الآسر، وخفة ظله غير المتناهية.
نعم بالتأكيد عنه أتحدّث، عن أحمد حلمي ذلك النموذج المثالي للشخص العصامي الذي بدأ من تحت الصفر بدورين، ووصل في بضع سنوات فحسب إلى ما فشل في الوصول إليه آخرون باعوا عمرهم السينمائي كله ضريبة لنجاح لم يأتهم.
قصة صعود حلمي فيها عبر كثيرة تُذكر، فصحيح أن بداياته مع علاء ولي الدين في فيلم "الناظر" لم تكن تلك البداية التي يحلم بها أي بطل سينمائي، وأعني هنا مساحة الدور المتاحة آنذاك، وصحيح أن الدور لم يكن بالأهمية القصوى في أحداث الفيلم وتسلسله، ولكن حلمي بذكائه وموهبته نجح في أن يخلق لهذه الشخصية مذاقاً مختلفاً تغتصب الضحكات من على الوجوه بمجرد رؤيته على الشاشة دون أن يُحرّك ساكناً.
ربما يعتبر البعض فيلم "ميدو مشاكل" هو أول وآخر سقطة سينمائية لحلمي؛ حيث خضع طوعاً لسيل الأفلام التجارية التي اجتاحت السينمات وقتها، ولكني أنا شخصياً لا أعتبرها كذلك؛ فحلمي كان في حاجة إلى دفعة صعود، ولم يكن ليتحمّس له كثير من المنتجبين والمؤلفين وهو بعدُ في مرحلة المراهقة السينمائية، وبالتالي لم يكن أمامه بديل أن يقبل مؤقتاً بسياسة الأفلام المعلبة -حبة كوميديا + حبة غناء- فضلاً عن أنه سرعان ما خرج من هذه الشرنقة التجارية البحتة، وبلغ سن الفن، وبالتالي فالأولى له والثانية عليه، وهو لم يكررها حسب ما أعتقد.
من يشاهد حلمي في حواراته التليفزيونية لا يملك سوى أن ينحني له تقديراً واحتراماً لرجل ما زال محتفظاً لنفسه بتقديره لذاته في زمن أصبح فيه احترام النفس بضاعة رخيصة يشترى بها النفاق والمظاهر الاجتماعية الكاذبة، ففي كل برنامج ""talk show يظهر به لا يجد حلمي أي غضاضة في أن يعترف بأنه كان يسكن بحي شعبي في شقة يصعب فيها دخول الحمام أو النوم الهادئ؛ بسبب محمصة البن القابعة في أسفل مسكنه بشكل تحرّج منه مقدّم البرنامج نفسه "معتز الدمرداش"، وجعله يقاطعه قائلاً: "بس إحنا دلوقتي خلاص بقينا ممثلين كبار وساكنين في شقق محترمة".
حلمي لا يرى أيضاً أي مشكلة في الاعتراف بعدم إجادته للغة الإنجليزية، وأنه كثيراً ما يعاني مع زوجته؛ بسبب هذا الأمر؛ حيث إنها تجيدها بشكل كبير، ولكنه ورغم كل ما سلف لا يترك تلك الشقوق المحفورة في شخصيته دون علاج، بل يسعى على الدوام إلى ترميمها من خلال مداومته على كورسات اللغة هنا وفي الخارج.
الكرامة...
أحمد حلمي واحد من قليلين ما زال موقناً بأن كرامة الرجل هي شخصيته الحقيقية، فمنذ عقد قران حلمي ومنى والأول يرفض رفضاً قاطعاً تلك العروض المتتالية التي توالت عليهما من أجل تقديم إعلانات يظهر فيها الزوجان، مستفيدين من كونهما أول ثنائي -تقريبا- في الجيل السينمائي الجديد بعد نور الشريف وبوسي وشهيرة ومحمود ياسين وفاروق الفيشاوي وسمية الألفي، حلمي رفض لأنه لم يقبل بأن يسوّق له على أنه زوج الست -مع كامل الاعتذار للفنانة منى زكي- لأنه كان يعرف أن المشاهدين يبحثون عن رؤية منى زكي وزوج منى زكي، وليس أحمد حلمي، ولم يتراجع عن رفضه سوى قبل بضع سنوات بدأ يقبل بالظهور معها في البرامج التليفزيونية، وصوّر معها أيضاً إعلانات تليفزيونية بعد أن أصبح له كيانه المستقل المنفصل عنها، عندما أصبح جمهوره يبحث عنه هو وليس عن منى، عندما أصبحت هي من تتباهى به في البرامج وليس العكس.